بين خطاب احمد الشرع في الامم المتحدة وإعادة الإعمار سوريا بمفترق طرق
خطاب أحمد الشرع في الجمعية العامة الـ 80: نقطة تحول في إعادة إعمار سوريا ومكانتها الدولية
في 24 سبتمبر 2025، وقف الرئيس السوري **أحمد الشرع** أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ليلقي خطابًا تاريخيًا عابرًا للعادة، لم يكن مجرد كلمة دبلوماسية، بل إعلان لمرحلة جديدة في الساحة السورية والإقليمية. هذا المقال يُقدّم تحليلاً شاملاً لمضمون الخطاب، مع الفيديو والصور التي تعمل مباشرة، ويستعرض الأبعاد التاريخية والسياسية والاقتصادية لهذا الحدث في الشرق الأوسط.
فيديو الخطاب الكامل لأحمد الشرع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. المصدر: YouTube — قناة البث الرسمي للأمم المتحدة / هيئة الأخبار الدولية.
الجزء الأول: السياق التاريخي والدبلوماسي قبل الخطاب
قبل أن ننغمس في نص الخطاب وتحليله، من المهم أن نضع السياق الذي سبقه:
- منذ عام 1967، لم يتحدث أي رئيس سوري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى جاء اليوم الذي أعاد فيه الشرع هذا التقليد المقطوع. 0
- خلال السنوات التي سبقت الخطاب، شهدت سوريا صراعًا طويل الأمد، دمارًا شاملًا، نزوحًا داخليًا وخارجيًا، وبنى تحتية منهارة، ما جعل موضوع إعادة إعمار سوريا واحدًا من أهم التحديات التي تواجه البلاد.
- على الصعيد الدولي، كان رفع العقوبات والتعامل مع آثار قانون قيصر والموقف الأميركي من سوريا على طاولة المفاوضات، وقد بدا أن الشرع اختار هذه المنصة ليرفع صوته في هذا الملف. 1
- كما أن المفاوضات الأمنية مع إسرائيل وملف الجولان، وقضايا الحدود والمناطق المتوترة، دخلت في نطاق التداول كجزء من إعادة ترتيب موقع سوريا في الشرق الأوسط. 2
بالتالي، الخطاب لم يكن عشوائيًا أو رمزيًا فحسب، بل جاء في توقيت حساس، يُعبّر عن رغبة سورية في العودة إلى المشهد الدولي بحضور فعال.
الجزء الثاني: مضمون الخطاب وتحليل المحاور الرئيسية
فيما يلي تفصيل النقاط والمحاور التي تكررت أو لامستها الكلمة أو تطرقت إليها التقارير:
1. الدعوة الصريحة لرفع العقوبات بقيّة قانون قيصر
من أبرز ما ركّز عليه الشرع هو المطالبة بوقف العقوبات الأميركية الهجومية التي تُثقل كاهل الشعب السوري وتعيق إعادة الإعمار. وحثّ على أن “العقوبات التي مُنحت في زمن الصراع لم تعد ملائمة لوقتنا الجديد”. 3
بهذا، أراد أن يرسل رسالة لكل الدول المانحة والمؤسسات الدولية أن التمويل لا يمكن أن يُبنى في ظل استمرار الحصار، وأن الطريق إلى تنمية سوريا يمر أولًا عبر إزالة القيود السياسية والمالية عنها.
2. إطلاق خطة وطنية لإعادة الإعمار والإصلاح
تكرر في الخطاب مفردات مثل خطة إعمار سوريا، إعادة إعمار سوريا 2025، إعمار سوريا الجديد. الهدف هو أن تعود سوريا إلى سباق التنمية، وليس البقاء في دوامة الصراع. وقد شدد على أن الإعمار لا يقتصر على ترميم المباني فقط بل على إعادة الإنسان والمؤسسات المدنية.
مشاريع البنية التحتية، الطرق، المدارس، المنشآت الصحية، إعادة تأهيل القطاع الزراعي والطاقة — كلها تم ذكرها أو التلميح إليها كنواة للنهضة بعد الحرب.
3. دعم القضية الفلسطينية وموقف غزة
لم يزل الشرع يُعلي من صوت فلسطين في هذا المنبر الدولي: أشار إلى أن سوريا تعتبر القضية الفلسطينية من القضايا المركزية في سياستها، وأن الاعتراف بدولة فلسطين ووقف عدوان غزة هما من أولويات العرب والمسلمين.
كما لفت إلى المعاناة الإنسانية في غزة ودعا لفتح ممرات الإغاثة ورفع الحصار، معتبرًا أن ما يحدث في غزة لا يمكن أن يُغضّ الطرف عنه من أي نظام يطمح للعدالة. هذا الربط بين الملف السوري وفلسطين يعطي الخطاب طابعًا إقليميًا، لا يظل داخل الحدود السورية فقط.
4. موقف الصراع مع إسرائيل والأمن الحدودي
واحد من المفاصل الحساسة كان حديثه عن مفاوضات مع إسرائيل، قد تُفضي إلى اتفاق أمني أو de-escalation (خفض التوتر). 4
كما حمّل إسرائيل مسؤولية الانتهاكات على الحدود الجوية والأرضية، وحذَّر من أن استمرار هذه الانتهاكات قد يقود إلى تصعيد لا تريد المنطقة أن تشهده.
وجَّه تحذيرًا بأن أي محاولة لتقسيم سوريا أو تبني لامركزية مفرطة قد تفتح الباب لفوضى استراتيجية في دول الجوار والعراق ولبنان. 5
5. الاستقرار الداخلي والمصالحة الوطنية
بالإضافة إلى الحديث الخارجي، طرح الشرع فكرة المصالحة الوطنية، محاسبة من تلطخت أيديهم في الانتهاكات، وإعادة بناء الثقة بين أبناء سوريا. هذه الرسالة ضرورية في سوريا التي خرجت من حرب تُركت فيها ندوب اجتماعية عميقة.
الاعتماد على الشباب، عودة النازحين، إصلاح المؤسسات، بناء اقتصاد منتج وغير معتمد بالكامل على النفط أو المساعدات — كلها دعوات ضمنية أو ضمن ما طُرحت في الخطاب أو ما تكهنت به التغطيات الصحافية.
6. دعوة للتعاون الدولي وضمانات الشفافية
لم يغفل الشرع أن يضع شروطًا لإعادة إعمار سوريا: مشاركة دولية تحت إشراف مشترك، رقابة على الأموال، سقف زمني لبدء التنفيذ، ومساءلة واضحة لمن يتولى تنفيذ المشاريع.
بهذه الطريقة، يطمئن المانحين أن الأموال لن تُستخدم كدعم لنظام استبدادي بل للبناء والتحول، مما قد يرفع قبول بعض الدول المانحة التي تخشى الفساد أو سوء الإدارة.
الجزء الثالث: الأهمية والتأثير في الشرق الأوسط والعالم
الخطاب لم يكن داخليًا فقط، بل يحمل دلالات إقليمية وعالمية. إليك كيف يُمكن النظر إلى أهميته عبر ثلاثة محاور:
أ. الأهمية التاريخية والدبلوماسية
أولاً، كسر الصمت الطويل: حضور الرئيس السوري أمام الأمم المتحدة بعد ستة عقود يُعد استعادة لشرعية دبلوماسية مفقودة. 6
ثانيًا، يمنح سوريا فرصة لتطبيق “العودة الدولية” كدولة فاعلة بعد سنوات من العزل. من خلال هذا الخطاب، تُعلن سوريا أنها تتحول من طور الانقسام والحرب إلى طور الانخراط والعلاقات النظامية.
ثالثًا، الخطاب يُعد نقطة انطلاق لسلسلة من الاجتماعات الثنائية والإقليمية التي قد تغير خريطة الصراعات في الشرق الأوسط.
ب. الأهمية السياسية والإقليمية
في الوسط الإقليمي، أي تغيير في موقع سوريا يلقى صدى في لبنان، الأردن، العراق، تركيا، إسرائيل، وحتى إيران. هذا الخطاب جاء في لحظة توازن هش، وقد يُعيد ترتيب أوراق التحالفات والتناغمات.
مقابلة هذا هو أن دولًا مثل إسرائيل أو القوى الكبرى ستراقب عن كثب تنفيذ المطالب، خصوصًا ما يتعلق بالأمن الحدودي، انسحاب القوات، ووقف الطلعات الجوية التي تضر بالسيادة السورية.
إعادة إعمار سوريا ليست قضية داخلية فقط، بل تتقاطع مع النزوح إلى دول الجوار، استعادة البنى التحتية في المناطق المتضررة، وتأثيراتها على التجارة الإقليمية والتكامل الاقتصادي.
ج. الأهمية الاقتصادية والتنموية
من منظور اقتصادي، إعادة الإعمار تُعد من أكبر الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تشهدها المنطقة: عقود بناء، استثمارات في الكهرباء، الاتصالات، الزراعة، إعادة تأهيل المدن، البنى التحتية المدمّرة.
لكن هذا لا يحصل بين ليلة وضحاها؛ التمويل الدولي والاستثمارات العالمية تحتاج ضمانات سياسية، استقرار أمني، وضمانات شفافة. الخطاب حاول أن يضع هذه الشروط في ذهن المانحين.
علاوة على ذلك، تنفيذ مشاريع الإعمار سيُولّد وظائف، يدعم إعادة الدمج الاجتماعي، يقلل الفقر، ويُسهم في اقتصاد منتعش يمكن أن يرتبط بالخطوط التجارية الإقليمية والطرق العابرة (سوريا كبوابة برية بين الدول العربية).
الجزء الرابع: التحديات التي تقف أمام تحقيق الرؤية
على الرغم من الطموح الكبير في الخطاب، هناك مجموعة من التحديات الصعبة التي يجب اجتيازها:
- الأمان والأمن: لا يمكن بناء مشاريع ضخمة في مناطق لا تزال تكتنفها النزاعات أو استقرار هش.
- الموارد والتمويل: تحديد مصادر التمويل، شروط القروض، دور الدول المانحة، والمخاطر المرتبطة بديون ضخمة.
- الفساد والشفافية: الشكوك قائمة في أي نظام جديد أو مؤقت بخصوص إدارة الأموال. الشرط الذي وضعه الشرع يشكّل جزءًا من محاولة كسب الثقة.
- التدخل الخارجي والمصالح المتقاطعة: وجود قوى إقليمية ودول كبرى لها مصلحة في سوريا قد تُعقّد التنفيذ، أو تفرض شروطها الخاصة.
- التوازن في الإدارة والتوزيع: التأكد من أن مشاريع الإعمار توزع بعدل في جميع المناطق، وليس فقط في المناطق التي بدت آمنة أو مرغوبة.
- العقوبات المستمرة: حتى لو تم رفع بعضها، فإن أجزاء من قانون قيصر أو عقوبات ثانوية قد تستمر، ما يُعيق التفاعل المالي الخارجي.
- الشرخ الاجتماعي والتصالح: فترة الحرب خلّفت انتقامات، خسائر بشرية، نزوح، وجرائم لا تزال أثرها في النفوس؛ إعادة البناء تحتاج سلمًا اجتماعيًا يعيد الثقة بين الأطراف.
الجزء الخامس: ماذا يعني التنفيذ؟ — سيناريوهات وآفاق
لتنفذ هذه الرؤية، هناك سيناريوهات محتملة:
السيناريو المتفائل
يوافق المجتمع الدولي (دول عربية، دول مانحة، مؤسسات دولية) على خريطة طريق تمويلية، تُرفع العقوبات تدريجيًا، تُطلق مشاريع بنية تحتية واسعة، يُعاد تأهيل المدن الكبرى والطرق، وتُضمّن مراقبة دولية. في هذا السيناريو، قد نرى سوريا تتعافى تدريجيًا خلال 5–10 سنوات وتستعيد دورها في الربط الإقليمي.
السيناريو المتوسط
يُنفذ جزء من الخطة في المناطق الأكثر استقرارًا أولًا، والباقي ببطء، مع تمويل جزئي أو تجريبي، وقد تتأثر المشاريع الكبيرة بالتراجع المالي أو التأجيل جراء أزمات إقليمية أو إضافية.
السيناريو المتحفظ أو السلبي
إذا فشلت الشروط، أو استمرت العقوبات، أو تعرضت سوريا لضغوط إقليمية، قد تتعثر المشاريع، تُمهل بعض الدول تنفيذها، أو تُشغّل المشاريع الكبرى فقط في مناطق معينة، مما يُهدد الشمولية والاستقرار.
الجزء السادس: أسئلة وأجوبة معمقة
هل هذا الخطاب يكفي لبدء إعمار سوريا فورًا؟
لا، الخطاب يُعد بمثابة خارطة طريق وإعلان نوايا. التنفيذ يتطلّب اتفاقات مخصصة مع دول وممولين، إزالة العقوبات، استقرار أمني، وضمانات شفافة.
من هي الدول التي يُمكن أن تساهم في إعادة إعمار سوريا؟
من المحتمل أن تكون الدول العربية، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، وربما مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي محور مساعدات. لكن مشاركتهم مرهونة بالشروط التي تطرحها سوريا.
هل المواقف من إسرائيل تغيرت بعد الخطاب؟
الخطاب استبشر بتقدم في مفاوضات أمنية مع إسرائيل، لكنه لم يضمن تنازلات. المراقبون يرون أن إسرائيل قد تتقبّل الاتفاقات الأمنية لكن لن تتنازل بسهولة عن الأراضي المحتلة. 7
ما المردود على سوريا داخليًا؟
إذا نجحت الخطة، ستُوفّر فرص عمل، تُعيد الخدمات الأساسية، تُنقذ الأجيال المدمَّرة، وتُعيد دمج المناطق المهجّرة والنازحين، ما يُقوّي وحدة الدولة ويُقلّل النزوح.
الجزء السابع: دور هذا الخطاب في إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط
بينما قد يبدو الخطاب مقصورًا على سوريا، تأثيره يمتد إلى كل بلدان المشرق العربي:
- لبنان والعراق: سوريا هي ممر مهم للتبادل التجاري، الطاقة، وربط البنى التحتية؛ استقرارها يُفيد الجيران.
- الأردن وتركيا: تتحكمان في ممرات لتوصيل المساعدات، ورغم بعض الخلافات، فإن استقرار سوريا يخفف الضغوط على الحدود ونزوح السكان.
- فلسطين وغزة: إذا نجحت سوريا في أن تُصبح مركزًا للمقاومة والدعم، فقد تُعيد دورها كقلعة للدعم الفلسطيني، واحداث اختراق دبلوماسي في الأمم المتحدة والبعد الإعلامي.
- إيران وروسيا: قد تعزّزان دورهما في إعادة الأعمار من خلال شركات واستثمارات عسكرية أو مدنية، لكن ذلك يطرح تساؤلات عن النفوذ والسيادة.
- إسرائيل: قد تُضطر إلى التفاوض أكثر جدية، إذا رأت أن استقرار الحدود مع سوريا بات أولوية لضمان أمنها الداخلي والمواجهة مع غزة ولبنان.
الجزء الثامن: دعوة للتطبيق والمتابعة
من الآن فصاعدًا، المراقبون، الدول المانحة، سوريا نفسها، جميعهم أمام اختبار: هل ستُترجم الكلمات إلى أفعال؟ هل تُتحقق المشاريع على الأرض؟ وهل يُمكن أن تُصبح سوريا نموذجًا لإعادة الإعمار بعد الحروب؟
من جهتي، أدعو القارئ أن يراقب المواقع الرسمية، وكالات الأنباء مثل Reuters وAP وAl Jazeera، وكذلك موقع الأمم المتحدة (gadebate.un.org) لمعرفة تطورات التنفيذ، توقيت المشاريع، الشركاء الدوليين، والتحديات التي قد تُفشل أو تضعف الخطة.
روابط داخلية من موقعك
- مبادرة دعم التعليم في المناطق المحررة بسوريا
- الانتخابات الرئاسية السورية 2025
- تطورات الملف الكردي في سوريا
- مشاريع إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب
- الملف الاقتصادي السوري بعد إعادة الإعمار
مراجع ومصادر نقلاً عنها
- تغطية الخطاب وأهميته التاريخية — AP News — First Syrian president addresses UN in nearly six decades. 8
- مكالمة عمل مع رفع العقوبات — Reuters — Syria’s Sharaa renews call to lift US sanctions. 9
- تاريخ أول مشاركة سورية منذ 1967 — Reuters — Sharaa first Syrian leader to attend UN since 1967. 10
- مفاوضات أمنية محتملة مع إسرائيل — Financial Times — Syria-Israel security deal talks. 11
- تقرير عن موقف إسرائيل وتقارب de-escalation — Reuters — Syria, Israel near de-escalation pact. 12
- تقرير عن العملية التشريعية في سوريا بعد الخطاب — Reuters — Syria to establish new parliament as test of inclusivity. 13
- تقرير مراقبة الأمم المتحدة لعلاقات الحكومة مع الجماعات المتشددة — Reuters — UN report sees no active state links to Al Qaeda. 14
هاشتاغات وتصنيفات
هاشتاغات: #أحمد_الشرع #اعمار_سوريا #إعادة_اعمار_سوريا #UNGA80 #فلسطين #غزة #سوريا #الشرق_الأوسط
تصنيفات: سياسة | شؤون دولية | سوريا | إعادة إعمار | الشرق الأوسط
