is-single */

معلومات الكاتب


عاصفة ثلجية تحاصر ألف شخص عند جبل إيفرست وجهود إنقاذ ضخمة تتواصل

عاصفة إيفرست تحاصر ألف شخص في ارتفاع 4900 متر | جهود الإنقاذ تتواصل وسط خطر الانهيارات الثلجية

عاصفة إيفرست تحاصر ألف شخص في ارتفاع 4900 متر | جهود الإنقاذ تتواصل وسط خطر الانهيارات الثلجية

عاصفة ثلجية تحاصر متسلقين في جبل إيفرست

تعيش سفوح جبل إيفرست واحدة من أقسى موجات العواصف الثلجية التي شهدتها منطقة الهيمالايا منذ أكثر من عقد. فقد أعلنت السلطات الصينية والتبتية أن أكثر من ألف شخص بين متسلق وسائح ومرشد محليون عالقون عند ارتفاع يقارب 4900 متر بعد أن ضربت المنطقة عاصفة قطبية مباغتة عطّلت حركة الإنقاذ وقطعت الاتصالات.

في الساعات الأولى من الفجر، تحولت الرياح الهادئة إلى زئير متصاعد حمل معه جدرانًا من الثلج. روايات الشهود الذين تمكنوا من الاتصال عبر الأقمار الصناعية تصف المشهد بأنه "أشبه بنهاية العالم"، إذ كانت الخيام تُقتلع من أماكنها والحرارة تهبط إلى ما دون 20 درجة مئوية تحت الصفر.

"كنا نسمع صرخات من الخيام المجاورة، ثم لا شيء سوى صوت العاصفة"، هكذا قال أحد المتسلقين اليابانيين الذي تم إنقاذه لاحقًا بعد 18 ساعة من العزلة في العراء.

الإنقاذ في مواجهة الطبيعة

تشارك في عمليات الإنقاذ أكثر من 20 وحدة طوارئ صينية وتبتية مدعومة بمروحيات، لكن الظروف الجوية تعيق الطيران بشكل شبه كامل. لذا تم اللجوء إلى استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) لإيصال المؤن والبطانيات الحرارية ومستلزمات الإسعاف إلى نقاط تمركز العالقين.

الجهود لا تتوقف عند المساعدات فحسب، إذ تعمل فرق محلية على شق ممرات جديدة في الثلوج باستخدام الجرافات والمعدات اليدوية بعد أن طمرت الانهيارات الطرق المؤدية إلى القاعدة الشرقية للجبل. أحد قادة فرق الإنقاذ قال لوكالة الأنباء الصينية:

"المهمة تشبه سباقًا ضد الزمن، فكل دقيقة تأخير قد تعني حياة مفقودة".
فرق الإنقاذ أثناء العمل في منطقة الهيمالايا

رغم قسوة الظروف، أبدى السكان المحليون من قرى التبت تضامنًا مذهلًا، إذ خرج العشرات منهم للمساعدة في إزالة الثلوج باستخدام أدوات بدائية. بعضهم سار مسافة عشرين كيلومترًا سيرًا على الأقدام فقط لإيصال الشاي الساخن والبطانيات إلى رجال الإنقاذ.

الأسباب المناخية وراء الكارثة

وفقًا لتقارير الأرصاد الجوية، فإن العاصفة ناتجة عن تداخل نادر بين التيار النفاث القطبي وكتلة هوائية رطبة من جنوب آسيا، ما أدى إلى تشكل جبهة باردة شديدة الكثافة. هذه الجبهة تسببت بتساقط ثلوج كثيف تجاوز المترين خلال أقل من 24 ساعة، وهو معدل غير مسبوق في هذه الفترة من السنة.

ويحذر خبراء المناخ من أن الاحتباس الحراري لم يعد يعني ارتفاع درجات الحرارة فحسب، بل أيضًا زيادة التطرف المناخي. فارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى اضطرابات في حركة التيارات الهوائية الكبرى، ما ينتج عنه ظواهر كالعواصف الثلجية المفاجئة في مناطق لم تكن معتادة عليها.

الدكتور "ليو هونغ"، خبير الأرصاد في جامعة بكين، أوضح أن: "ما نشهده في إيفرست هو الوجه الآخر للاحتباس الحراري. ذوبان الجليد في القمم المجاورة زاد من الرطوبة في الجو، فكانت النتيجة هذه الكارثة الطبيعية".

تجربة المتسلقين المحاصرين

في مخيم "شانغري لا" الواقع على ارتفاع 4800 متر، كان نحو 150 متسلقًا من دول مختلفة يستعدون لصعود القمة قبل أن تتحول رحلتهم إلى مأساة. تقول المتسلقة الأسترالية "كيت ليندسي": "كنا نصور وثائقيًا عن التغير المناخي، وفجأة أصبحت الكاميرا وسيلتنا الوحيدة لتوثيق معاناتنا".

بعض الفرق اختبأت داخل الكهوف الجليدية التي شكلتها الانهيارات القديمة، فيما اضطر آخرون إلى حفر خنادق صغيرة تحت الثلج لتقليل أثر الرياح. خلال 36 ساعة، تم تسجيل خمس حالات وفاة مؤكدة، بينهم مرشدون محليون فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم إنقاذ الآخرين.

الناجون من العاصفة في مخيم القاعدة الشرقية

التغطية الإعلامية العالمية

العاصفة تحولت إلى حدث عالمي، إذ تصدرت عناوين الصحف وشاشات الأخبار. شبكات مثل CNN وBBC خصصت تغطية مستمرة على مدار اليوم. في الصين، تابع أكثر من 200 مليون شخص بثًا مباشرًا لعمليات الإنقاذ عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط موجة تضامن واسعة ودعوات للصلاة من أجل العالقين.

مواقع التواصل امتلأت بمقاطع قصيرة وصور التقطها المتسلقون قبل انقطاع الاتصالات. أحد الفيديوهات التي نشرها متسلق نيبالي أظهر العاصفة تقتلع خيامًا عملاقة كما لو كانت أوراقًا في مهب الريح. وقد أثار الفيديو ضجة كبيرة وشبهه البعض بمشاهد من فيلم الكوارث الشهير Everest (2015).

أوجه الشبه مع الفيلم الشهير “Everest”

الفيلم الذي أخرجه بالتاسار كورماكور عام 2015 تناول قصة حقيقية مشابهة تعود إلى عام 1996 حين فُقد أكثر من 15 متسلقًا في عاصفة مفاجئة. وما يحدث اليوم يذكّر العالم بأن الجبل، رغم شهرته وجماله، لا يزال مكانًا لا يرحم.

الكثير من المتسلقين الذين عاشوا التجربتين يؤكدون أن التكنولوجيا الحديثة لم تُلغِ الخطر. فحتى مع وجود أجهزة تتبع عبر الأقمار الصناعية ومعدات إنقاذ متقدمة، تبقى الطبيعة أقوى من أي استعداد بشري.

تداعيات اقتصادية وسياحية

تُعد منطقة الهيمالايا مصدر دخل رئيسي لعشرات القرى التي تعتمد على السياحة الجبلية. ومع توقف الرحلات وإغلاق الطرق، يخسر المئات من المرشدين وأصحاب النُزُل مصادر رزقهم مؤقتًا. وتشير تقديرات أولية إلى خسائر تجاوزت 25 مليون دولار في الأيام الثلاثة الأولى فقط.

الحكومة الصينية أعلنت نيتها مراجعة شروط التصاريح المستقبلية لتسلق الجبل، بما في ذلك إلزام البعثات بتأمين طوارئ خاص يغطي الكوارث الطبيعية، في محاولة لتقليل الأضرار البشرية والمادية في المستقبل.

نقاش بيئي عالمي

تجدد الجدل عالميًا حول مسؤولية الإنسان عن اضطراب المناخ. ناشطو البيئة يرون أن مثل هذه الكوارث ليست مجرد أحداث طبيعية، بل إن النشاط الصناعي وتلوث الغلاف الجوي ساهم في تفاقمها. بينما يرى آخرون أن الجبال كانت دائمًا تحمل طابع المفاجأة والخطر، وأن ما يحدث جزء من دورة الطبيعة الطويلة.

منظمة المناخ العالمية (WMO) أصدرت بيانًا قالت فيه: "إيفرست هو ناقوس إنذار جديد يدق ليذكرنا بأن التغير المناخي ليس مسألة مستقبلية، بل واقع يعيشه الناس الآن".

قصص الأمل وسط الكارثة

رغم المأساة، لم تغب مشاهد البطولة الإنسانية. متسلق نيبالي يُدعى "لاكبا شيربا" أنقذ خمسة أشخاص بعدما استخدم حبل تسلق لجرّهم عبر منحدر جليدي نحو كهف آمن. لاحقًا، نقلته فرق الإنقاذ إلى المستشفى وهو يعاني من تجمد في الأطراف لكنه صرح قائلاً:

"الجبل يمكن أن يأخذ منا كل شيء... إلا إنسانيتنا."

كذلك، تبرع نجوم رياضة التسلق حول العالم بمبالغ مالية لدعم عمليات الإنقاذ، وأطلقت منصة GoFundMe حملة بعنوان "أنقذوا أرواح إيفرست" جمعت أكثر من 1.2 مليون دولار خلال 48 ساعة فقط.

نهاية مفتوحة... وجبل لا يلين

مع حلول الليل الثالث منذ بدء الكارثة، تشير التقارير إلى إنقاذ أكثر من 350 شخصًا حتى الآن، بينما لا يزال نحو 600 في انتظار الوصول إليهم. فرق الإنقاذ تقول إن الطقس بدأ يتحسن تدريجيًا، لكن الخطر لم ينتهِ بعد، إذ تهدد الانهيارات الجديدة أي تحرك غير محسوب.

يبقى جبل إيفرست رمزًا للجمال والخطر معًا، وشاهدًا على إصرار الإنسان وعجزه في الوقت ذاته. فبينما يسعى البشر إلى تسلقه والتغلب على طبيعته القاسية، يذكّرهم دائمًا بأنه ليس مجرد جبل... بل كائن حيّ من ثلج ورياح، يحترم من يحترمه، ويعاقب من يتحدى هيبته.

❓ الأسئلة الشائعة حول حادثة إيفرست

س: هل تم إنقاذ جميع المحاصرين؟
ج: حتى الآن، تؤكد المصادر الرسمية أن عمليات الإنقاذ مستمرة، وتم إجلاء نحو 350 شخصًا بينما لا يزال المئات في مواقع مختلفة بانتظار المساعدة.

س: هل هذه الحادثة هي الأسوأ في تاريخ الجبل؟
ج: رغم خطورتها، إلا أن حادثة عام 1996 تبقى الأكثر مأساوية حين توفي أكثر من 15 متسلقًا بسبب عاصفة مشابهة، غير أن حادثة 2025 تُعد الأكبر من حيث عدد المحاصرين.

س: ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة؟
ج: ضرورة وضع خطط إنقاذ مسبقة في المناطق الجبلية، وتزويد البعثات بمعدات اتصال بالأقمار الصناعية، وتوعية السياح بخطورة تغيّر الطقس المفاجئ في الهيمالايا.

المقال التالي المقال السابق

Translate



📢 عاجل:
*/